-A +A
عكاظ(جدة)
«تعثر المشاريع».. مصطلح لم يجد الاجماع في جدة، يذهب بعض الخبراء الى وصف حالة بعض مشاريع جدة بـ «المتوقفة»، وهو امر دعا المراقبين الى تحديد مصطلح دقيق للتعثر. وفي محافظة جدة تتفاوت تداعيات التوقف او التعثر الى نتائج سالبة في حركة المرور وتدني خدمات الصحة كما هو الحال في بعض المشاريع الصحية التي لم تستلمها الوزارة حتى الان، بعض الاراء خلص الى القول إن الاجهزة القائمة بمهام الرقابة باتت أعمالها روتينية في قياس الاعمال، بينما تنبع دقة الرقابة من الارادة والتصميم، كما هي الحال في مشاريع وزارة الدفاع والحرس الوطني وأرامكو التي حققت نجاحات واسعة في التنفيذ والجودة والالتزام الصارم بمواعيد التسليم.
الابطاء أو التوقف أو التعثر في بعض مشاريع الطرق والشوارع الرئيسة في محافظة جدة أثمر ارتباكا في حركة السير والمرور، ما دعا المراقبين الى البحث عن حلول عاجلة تتوافق مع ضمان التنمية والتطوير.


أجهزة روتينية للقياس
في هذا الصدد يرى صالح التركي أن الاجهزة الموجودة حاليا أجهزة روتينية مهمتها حصر وقياس الأعمال المنجزة وإعداد المستخلصات الدورية، وفى أحسن الأحوال تستعين الجهة المنفذة باستشاري لا يملك قوة الإلزام، أما مكتب إدارة المشاريع أو (project management office)، فهو آلية تعتبر بمثابة القوة المحركة للمشاريع ويقع عليها الجزء الأكبر من مسؤولية إنجاح المشاريع ولا تقتصر على عمليات اعداد المستخلصات، بل تشمل كل مراحل المشروع بدءا من مرحلة دراسة العطاء الفني والعطاء المالي، وهما عطاءان متلازمان يكفل كل منهما تحقيق الآخر، بحيث لا يعتد بالعطاء المالي فقط إلا إذا كان العطاء الفني ضامنا لمتطلبات المشروع، ثم مرحلة بحث شروط التعاقد، ومرحلة التخطيط لبدء تنفيذ المشروع ثم الانتقال إلى مرحلة التنفيذ الفعلي بكل تفاصيلها بما في ذلك مراقبة ومراجعة التنفيذ والموافقات لكل مرحلة من مراحل المشروع وصولا إلى مرحلة التسليم وإعداد الحساب الختامي، وذلك كله في إطار عملية مترابطة ومتكاملة ومستمرة وتفصيلية تحدد نطاق ونظام العمل وتحافظ على معاييره وتكون مصدر التوثيق والمقاييس والمواصفات والجداول الزمنية للتنفيذ.


عرض فيدك هو الأسلم
يرى صالح التركي انه بهذا الوصف فإن مكتب إدارة المشاريع الحكومية يكون فعليا هو المحرك الأساسي لتنفيذ المشروع، هذه الالية هي بالفعل ما تعتمده حكومات بلدان كبرى كالولايات المتحدة، التي تسند إدارة المشاريع الحيوية إلى مكتب إدارة مشاريع تابع للجيش رغم مدنية المشاريع، كما أن وزارة الدفاع السعودية والحرس الوطني وشركة أرامكو لديها مكاتب لإدارة المشاريع، وهو ما يفسر نجاح هذه الجهات الثلاث فى إنجاز المشاريع التى تديرها وتشرف عليها، والحاصل الآن هو أن الجهة الحكومية تركز فقط على إتمام المشروع في وقت محدد بأقل الأسعار، بينما يركز المقاول على قيمة العقد وأرباحه وهو يعلم أنه لا يستطيع إتمام المشروع بالجودة المطلوبة، لان قيمة العقد غير كافية لإنجاز المشروع حسب المواصفات والمدة المحددة، لذلك فان هناك مطالبات من عدة جهات مختلفة بتطبيق عقد «فيدك»، وبرأيي فإن العمل بنظام مكتب إدارة المشاريع واستخدام عقد فيدك، بالاضافة الى تحليل العرض الفني قبل فتح مظاريف العرض التجاري كفيل بالقضاء على السلبيات الحالية في تنفيذ العقود وبالتالي تعثر المشاريع.

التخطيط المالي والدعم اللوجستي
عن خبرات وقدرات المقاولين يتحدث صالح التركي ويقول : اللافت لدينا أن الجهة صاحبة المشروع لا تهتم بالتدقيق في مستوى خبرات المقاول وإمكانياته الفنية والمالية ومدى اهتمامه بعنصر التخطيط والدعم اللوجستي ومدى عنايته بالتخطيط المالي والتدفقات النقدية. وللأسف فان هذه العناصر لا تؤخذ بعين الاعتبار عند ترسية المشاريع ما يؤدي الى تعثرها.
وتقول سارة بغدادي، إن فكرة تحسين الية لمتابعة المشاريع من خلال مركز مراقبة ومتابعة لكل المشاريع بالمنطقة ونظام يوضح كل مشروع وموعد تنفيذه وتقارير التنفيذ ضمن منظومة متكاملة تشارك في ادارته وتغذيته الجهات المعنية والاستفادة من قدرات الشباب في متابعة ومراقبة تنفيذ المشاريع.

رغم الجسور والأنفاق
محافظة جدة تعاني من الاختناقات المرورية برغم تنفيذ العديد من الجسور والانفاق، فما الحل، تجيب عن السؤال سارة بغدادي لتقول إن الاختناقات المرورية ستزداد مع تزايد سكان جدة وكثافة المناطق التجارية، كما أن المشكلة تتفاقم مع سوء ثقافة القيادة وعدم الالتزام بالسلامة والتنظيم المروري، وكحلول جذرية للمشكلة تقترح بغدادي إعادة النظر في تنظيم مواعيد الدوام للقطاعات المختلفة، بحيث لا تتزامن مع بعضها البعض، كما يحتاج الحل الى مشاركة أكبر من المجلس البلدي لتنظيم مواعيد فتح المحلات التجارية والمطاعم بعيدا عن مواعيد دوام الموظفين وانصرافهم، ومع جهود المرور في تنظيم حركة المركبات وتنظيم مواقف السيارات وتجول سيارات الأجرة وتسجيل المخالفات على مسيئي استخدام الطريق، سيظهر أثر هذه التنظيمات على انسيابية الحركة المرورية وخلق ثقافة مرورية ايجابية.
وتصف الدكتورة عبلة بخاري، الجسور والأنفاق التي أقيمت في جدة حتى الآن ليست بالكفاءة المطلوبة، فهي قد تسهل عملية السير ولكن لن تعالج اختناقات المرور، خاصة وأنها جسور قصيرة تبدأ وتنتهي في نفس الخط. والمتتبع للأنفاق والجسور المقامة في مدن الولايات المتحدة، ودول شرق آسيا يمكن أن يلاحظ الفرق الواضح.

جسر خليج البحر
الدكتور عبدالله دحلان يتناول جوانب الازدحام المروري في جدة، ويقول انه في فترة امارة الأمير خالد الفيصل الأولى لمنطقة مكة المكرمة وضع بعض الخطط المستقبلية لتجاوز المشكلة، كان منها انشاء بعض الجسور والأنفاق وتم تجاوز مشاكل اساسية ظلت تواجه مدينة جدة إلا أن النمو السريع للمدينة واتساع رقعتها شمالا وجنوبا وشرقا يدفعنا بالمطالبة بتسريع الفكرة التي طرحها سموه في فترته الأولى، وهي وسيلة النقل الكهربائية (القطار الكهربائي) بين أطراف مدينة جدة ووسطها، وأعتقد أن هذا الحل سوف يساهم في تخفيض نسبة استخدام السيارات المسببة للازدحام اليومي، وآمل أن يكون هذا المشروع من أولويات المشاريع المقبلة في جدة.
الدكتور دحلان يقترح تنفيذ جسر خليج البحر الذي يربط طريق الملك جنوبا ليمتد شمالا فوق خليج البحر لربط الشمال بالجنوب، حيث هناك تطوير عمراني عملاق شمال خليج البحر يشمل مدنا عمرانية جديدة وخدمات صحية جديدة، كما يقترح تطوير الكورنيش الجنوبي عن طريق إنشاء جسر معلق مباشرة بين طريق مكة المكرمة جدة جنوب الاستاد الرياضي أو جنوب ميناء جدة مباشرة على الجنوب ليكون مسارا جديدا للسيارات الصغيرة وقصر الطريق القديم المؤدي إلى المستودعات للشاحنات فقط.

تطوير الحدود بمزيد من المحطات
يواصل الدكتور دحلان تشريح مشاكل منطقة مكة المكرمة متناولا التوسعات العملاقة لمساحات الحرم المكي الشريف، حيث أدت إلى إزالة الاف المباني حول الحرم ما أدى إلى نقص المعروض من المساكن وإلى ارتفاع الأسعار للسكن في مكة المكرمة، ويقترح في هذا الجانب تطوير بعض المناطق في محيط مكة المكرمة وعلى وجه الخصوص في الطريق إلى جدة داخل حدود مكة المكرمة، وهي مناطق قابلة للتطوير بتوفير البنية التحتية والخدمات الأساسية، واتوقع وصل مكة المكرمة ومدينة جدة بالتطوير العمراني وهي مساحات قابلة للتطوير العمراني، ولتحقيق التطوير في هذا الاتجاه اقترح إنشاء أكثر من محطة لقطار الحرمين في هذا الطريق، اما التطوير من الاتجاهات الأخرى لمكة المكرمة اقترح ربطها بخطوط القطار الكهربائي لتسهيل نقل السكان لوسط مكة المكرمة.

ساهر لا يحل المشكلة
يعود الدكتور عبدالمحسن هلال للحديث عن اختناقات المرور في جدة، ويرى الحل في التمدد الافقي ومزيد من تواجد رجال المرور بالشوارع وعدم الاكتفاء بكاميرات ساهر، لان ذلك يضخم هذه المشكلة ولا يحلها.
ويرى صالح التركي أن جدة من المحافظات التى شهدت نموا سكانيا متسارعا تجاوز قدرة بنيتها التحتية، بما فيها القدرة الاستيعابية للشوارع والجسور وغيرها من المرافق المرورية. وخلال السنوات الماضية شهدت المدينة تطويرا فى بنية المرافق، ولمس الجميع تحسنا فى الحركة المرورية. كما ان هناك الكثير من المشاريع الهامة لا تزال تحت التنفيذ وستساعد على حل هذه المشكلة. ونعلم جميعا ان هناك مشروعا ضخما للنقل المتكامل للمترو والباصات حاليا قيد الدراسة، وأتمنى على سمو الأمير خالد الفيصل أن يتبنى هذا المشروع ويدفعه ليرى النور بأسرع وقت فهو من المشاريع الاستراتيجية التي ستنقل جدة بالفعل إلى مصاف المدن الكبرى.

نقل الخدمات .. بعيداً
الدكتور أحمد عاشور، يقول إن الاختناقات المرورية سمة من سمات المدن الكبرى في عالمنا المعاصر، وتحدث نتيجة التوسع العشوائي وعدم التخطيط السليم اضافة لقصور في خطط التنظيم المروري وتعمل الدول على معالجتها بطرق مختلفة، ومن بين هذه الطرق محاولة الحد من حركة السيارات الصغيرة عن طريق توفير شبكة مواصلات عامة لائقة وتشجيع الجمهور على استخدامها، وكذلك انشاء العدد الكافي من الجسور والأنفاق عند التقاطعات الرئيسية بعد اجراء الدراسات الميدانية المكثفة للتوصل الى اختيار الموقع المناسب والتصميم المناسب لهذه الجسور والأنفاق، بحيث تسهم بشكل فعال في معالجة هذه الاختناقات، كما يجب الأخذ في الاعتبار الحد من تصاريح مباني الأبراج داخل المدينة ونقل الخدمات الأساسية الى مناطق خارجية وتوفير النقل الجماعي للموظفين وطلبة المدارس والجامعات.

أخطاء هندسية وحلول ارتجالية
عن اوضاع جدة مع اختناقات المرور يقول الدكتور عاشور، انه تم بالفعل تنفيذ عدد من الجسور والأنفاق إلا أنه لوحظ أن بعضها للأسف لم يؤد الغرض الذي أنشئ من أجله ولم يفلح في القضاء أو التخفيف من مشكلة الاختناقات، ذلك أن بعضها نفذ في مواقع غير مدروسة بشكل دقيق أو أن تصميمها انطوى على أخطاء هندسية من حيث مداخلها ومخارجها.
وأعتقد أن معالجة الاختناقات في مدينة جدة تتطلب اجراء دراسة منطقية وميدانية لحركة السير في مناطق الاختناقات والشوارع المؤدية اليها، خاصة في أوقات الذروة تتولاها لجان متخصصة بحيث تخرج بحلول عملية تسهم بشكل فعال في علاج المشكلة، لا أن يتم تطبيق حلول ارتجالية غير مدروسة كما نراه الآن في بعض شوارع جدة الرئيسية.

توسعة خدمات الصحة
منطقة مكة المكرمة جاذبة للزوار من خارجها، الأمر الذي يتطلب توفر المؤسسات الصحية الكافية، فهل المستشفيات الحكومية الموجودة حاليا كافية، تجيب عن السؤال سارة بغدادي، وتقول إن توسع القطاع الصحي في منطقة مكة مهم ولا يمكن فقط الاعتماد على القطاع الحكومي بالكامل، توجد فرص للقطاع الخاص في المساهمة في انشاء وادارة مدن صحية كبيرة تخدم المنطقة وتغطي الاحتياج.
وفي رأي الدكتور عبدالله دحلان، ستظل مكة المكرمة إلى يوم القيامة منطقة جذب للمسلمين في جميع أنحاء العالم لتكملة ركنهم الخامس في الإسلام وهي الأكثر جذبا، ولهذا فإن بناء خطط مستقبلية لمضاعفة القدرة الاستيعابية لزوار مكة المكرمة من الداخل والخارج يدفعنا إلى ضرورة العمل على تطوير الخدمات الأساسية لضمان الاستفادة القصوى من اقتصاديات الحج والعمرة والزيارة، وهذا يدفعنا إلى ضرورة تغطية الاحتياجات الأساسية من الخدمات الصحية بزيادة المستشفيات والمراكز الصحية ومضاعفة اعداد الأطباء، حيث تعاني المنطقة من عجز كبير جدا في هذه الخدمات.
ويقول الدكتور هلال، نعم المنطقة جاذبة للزوار وتعتبر منطقة سياحية لذا فإن خدماتها الصحية وغيرها من الخدمات العامة لا تقاس حسب عدد سكانها بل بعدد زائريها كل عام.

ضحايا القطاع الخاص
الدكتور عاشور يعلق على ذلك بالقول، ليس خافيا على أحد أن منطقة مكة المكرمة بصفة عامة ومدينة جدة بصفة خاصة تعاني من نقص كبير في أسرة العناية المركزة، ونعايش يوميا مواقف صعبة لمرضى ينتظرون في أقسام الطوارئ لأيام بسبب عدم توفر أسرة شاغرة، فمدينة جدة التي بلغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين شخص لا يتوفر بها غير 3 مستشفيات عامة عاملة، هي مستشفى الملك فهد ومستشفى الملك عبدالعزيز ومستشفى الثغر بطاقة استيعابية لا تتجاوز 1500 سرير، ونسبة اشغال الأسرة في هذه المستشفيات تفوق 90 %، أما أسرة العناية المركزة فنسبة اشغالها تفوق 100 % في معظم الأوقات، لذا فان هذه تعتبر أكبر مشكلة تواجه جدة، كما أن المشكلة لا تكمن في عدم توفر الأسرة فقط بل في سوء وقصور الادارة الصحية والمركزية، وبالتالي أصبح المواطن فريسة سهلة تحت ثياب القطاع الصحي الخاص.

8 آلاف سرير
يضيف الدكتور عاشور، إذا رجعنا الى الخطة الاستراتيجية لوزارة الصحة والتي ورد فيها أنه يتوفر 2.2 سرير لكل 1000 مواطن في مستشفيات الوزارة (5.7 سرير في دول الاتحاد الأوروبي)، لوجدنا أن جدة بتعدادها الحالي (دون احتساب الزيادات الموسمية والزيادات السنوية وغيرها) بحاجة الى ما لا يقل عن 8000 سرير، وهنا يظهر البون الشاسع بين الاحتياج الفعلي والمتوفر حاليا، وقد يساهم افتتاح المستشفيات الجديدة في شمال وشرق جدة، والذي تأخر كثيرا، في التخفيف من حدة الوضع، إلا أنه لن يحل المشكلة بشكل كامل، نحن بحاجة الى أعداد اضافية من مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات العامة والتخصصية لمواكبة الزيادة المضطردة في سكان جدة وتلبية احتياجات الأعداد الكبيرة التي ترد الى جدة ومكة على مدار العام.